فصل: تفسير الآية رقم (100):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويعرف الآن اكثر من ربع مليون نوع من أنواع النباتات المزهرة بالإضافة إلي اعداد كبيرة من النباتات اللازهرية أي التي لاتنتج أزهارا.
ثالثا: فأخرجنا منه خضرا بمجرد ظهور الأوراق الحقيقية علي النبتة الناشئة (البادرة) يزودها خالقها سبحانه وتعالى بصبغ أخضر يعرف باسم (اليخضور)، وهذا الصبغ أعطاه الله تعالى القدرة علي امتصاص قدر من طاقة ضوء الشمس، وتحويله إلي طاقة كيميائية يستخدمها في تخليق الكربوهيدرات من الماء الذي تمتصه جذورالنبات مع العصارة الغذائية من التربة، وثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه أوراق النبات من الجو، ويتصاعد الأكسيجين، أما النباتات المائية خاصة المغمور منها في الماء فتحصل علي ثاني أكسيد الكربون من نسبته الذائبة في الماء، ويصل بعد ذلك إلي عضيات سيتوبلازمية دقيقة تعرف باسم البلاستيدات الخضراء علي هذه الصورة الذائبة في الماء أو مندمجا في أملاح البيكربونات، ويطلق علي هذه العملية أحيانا اسم: التمثيل الكربوني نظرا لما تنطوي عليه من استعمال الكربون في تصنيع المواد الكربوهيدراتية.
ويوجد ثمانية أنواع من مادة اليخضور، وهي مادة تشبه الهيموجلوبين من ناحية تركيبها الكيميائي ولكنها تختلف في بنائها الجزيئي حول ذرة من المغنيسيوم بدلا من ذرة الحديد في قلب جزيء الهيموجلوبين.
وتوجد البلاستيدات الخضراء (جبيلات اليخضور) في الخلايا الطويلة العمودية علي جدار أوراق النبات، وهذه البلاستيدات أعطاها الله تعالى القدرة علي التحرك داخل الخلية بحرية كاملة لاصطياد أكبر قدر من أشعة الشمس.. وتقوم أوراق النبات بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، وبالتقاط الماء الصاعد مع العصارة الغذائية من التربة بواسطة الجذور، والمرتفع بالخاصية الشعرية إلي قمة النبات، ويقوم الصبغ الأخضر (اليخضور) الموجود بداخل البلاستيدات بالتقاط الطاقة القادمة مع أشعة الشمس واستخدامها في تحليل الماء إلي الأكسيجين الذي ينطلق إلي الجو عبر ثغور ورقة النبات، والأيدروجين الذي يتحد مع ثاني أكسيد الكربون لتكوين السكريات والنشويات وغيرهما من الكربوهيدرات وتتم هذه العملية علي مراحل عدة تؤدي المادة الخضراء دورا مهما فيها، وتشترك عدة انزيمات في إتمامها ويستخدم معظم الكربوهيدرات الناتجة عن عملية التمثيل الضوئي كغذاء للنبات من أجل توفير الطاقة اللازمة لنموه، وما يزيد علي حاجة النبات يتم حفظه داخل الخلايا علي هيئة مواد نشوية وسكرية تستخدم بعد ذلك من أجل بناء الثمار والحبوب والبذور.
ويستمد النبات الطاقة التي يحتاجها في نموه من غذائه في عملية معاكسة لعملية التمثيل الضوئي تعرف باسم التنفس الداخلي تتحد فيها الكربوهيدرات مع الأكسجين لإطلاق الطاقة وثاني أكسيد الكربون والماء علي النحو التالي:
عملية التمثيل الضوئي:
ثاني أكسيد كربون + ماء + طاقة.
كربوهيدرات + أكسيجين.
عملية التنفس الداخلي:
واعتمادا علي وفرة ضوء الشمس أو ندرته يزيد معدل إتمام إحدي العمليتين علي حساب الأخري، ففي ضوء الشمس الساطع يتسارع معدل التمثيل الضوئي وينتج النبات من الكربوهيدرات والأكسيجين أكثر مما يستهلكه في عملية التنفس، وفي العتمة التامة يتسارع معدل التنفس الداخلي فيستهلك النبات ما ينتجه من الكربوهيدرات ليحرقه منتجا الطاقة اللازمة لنموه بالاضافة إلي ثاني أكسيد الكربون والماء. وعند كل من الغسق والفجر تتوازن العمليتان بمعني ان عملية التمثيل الضوئي تنتج من الكربوهيدرات والأكسيجين مايكفي لعملية التنفس الداخلي فقط كما تنتج تلك العملية من الطاقة وثاني أكسيد الكربون والماء مايكفي لإتمام عملية التمثيل الضوئي، ولذلك تسمي هاتان النقطتان باسم نقطتي التكافؤ.
رابعا: خضرا نخرج منه حبا متراكبا:
تؤدي عملية إخصاب النباتات المزهرة إلي إنتاج البذور، والبذرة تحتوي علي جنين لنبتة جديدة، ومخزون من الطعام يكفي بادرة هذه النبتة حتي تتمكن من إنتاج أوراق خضراء أعطاها الله تعالى القدرةعلي إنتاج الغذاء ذاتيا لتلك النبتة، وهذه البذور قد تكون هي الثمرة أو قد تحفظ في داخل الثمرة، وهذه الثمرة قد تتبعثر وتنتشر في الأرض لإنتاج نبات جديد أو قد يقتنصها أي من الإنسان أو الحيوان.
والبذرة عادة ماتكون محمية بغلاف متين يعرف باسم (غلاف البذرة) ويملك كل غلاف لبذرة من البذور (سرة) علي سطحه تظهر الموضع الذي ارتبطت به البييضة بالمبيض، كما يمكن مشاهدة الفتحة الصغيرة التي دخلت عبرها حبة اللقاح إلي البييضة وتعرف باسم (النقرة) وتمثل الممر الذي يسمح بمرور الماء إلي الجنين كي ينبت، وجنين البذرة يتكون من السويقة (السبد) والجذير.
والحب هو ثمر جميع أنواع الحبوب من مثل القمح، والشعير، والشوفان، والذرة، والأرز وغيرها من النباتات ذوات الفلقة الواحدة والتي تنطوي في عائلة تعرف باسم العائلة النجيلية وهي من أكثر النباتات نجاحا لأنها تغطي مساحات من اليابسة أكثر من أية نباتات أخري وتشكل الغذاء الرئيسي لكل من الإنسان والحيوان آكل العشب، وتشمل نحو سبعة آلاف نوع من أنواع النباتات.
وهذه الحبوب تتكون أساسا من الكربوهيدرات التي تبنيها الصبغة الخضراء في داخل البلاستيدات الخضراء (جبيلات اليخضور) وهنا يندهش الإنسان لهذا النص القرآني المعجز الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى من قبل ألف وأربعمائة سنة ليقول فيه:
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا..
وارتباط الإنبات بإنزال الماء، وارتباط حياة النباتات الزهرية (وتمثل الغالب من النباتات) بتلك القدرة الذاتية التي أعطاها إياها الخالق سبحانه وتعالى علي تصنيع غذائها بعملية التمثيل الضوئي والتي تقوم بها تلك الصبغة الخضراء التي وضعها الله الخالق سبحانه وتعالى في جبيلات اليخضور، وأن ماتنتجه تلك الجبيلات الخضراء من الكربوهيدرات يزيد علي احتياج النبات فيخزن في داخله حتي تنتج منه الحبوب المتراكبة، وهي حقائق لم يدركها العلم المكتسب إلا في القرن العشرين، وورودها في كتاب الله من قبل أربعة عشر قرنا بهذه الدقة والإحاطة والشمول لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الموحي به إلي خاتم أنبيائه ورسله، والمحفوظ بنفس لغة وحيه (العربية) في صفائه الرباني، واشراقاته النورانية، فالحمد الله الذي أنزل القرآن الكريم {أنزله بعلمه} والصلاة والسلام علي النبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه فأبلغه بأمانة تامة وحرص شديد فجزاه الله تعالي خير ماجزي به نبيا عن أمته ورسولا علي حسن تبليغ رسالته، وأتاه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة التي وعده إياها إن ربي لا يخلف الميعاد. اهـ.

.تفسير الآية رقم (100):

قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان المشركون على أصناف: منهم عبدة أصنام، شركوا في العبودية لا في الخلق، ومنهم آزر الذي حاجه إبراهيم عليه السلام ومنهم عبدة الكواكب وهم فريقان: منهم من قال: هي واجبة الوجود، ومنهم من قال: ممكنة، خلقها الله وفوض إليها تدبير هذا العالم الأسفل، وهم الذين حاجهم الخليل عليه السلام بالأفول، ومنهم من قال: لهذا العالم كله إلهان: فاعل خير، وفاعل شر، وقالوا: إن الله وإبليس أخوان، فالله خالق الناس والدواب والأنعام، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور، ويلقبون الزنادقة وهم المجوس، لأن الكتاب الذي زعم زردشت أنه نزل من عند الله سمي بالزند، فالمنسوب إليه زندي، ثم عرب فقيل: زنديق، وكان هذا كله في قوله: {فالق الإصباح} شرحًا لآية: {إن الله فالق الحب والنوى} دلالة على تمام القدرة الدالة على الوحدانية للدلالة على البعث؛ حسن كل الحسن العود إلى تقبيح حال المشركين بالتعجيب منهم في جملة حالية من الضمير في {فالق} أو غيره مما تقدم، فقال تعالى شارحًا أمر هذا الصنف، لأن أمر غيرهم تقدم؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن هذه الآية نزلت في الزنادقة: {وجعلوا} أي هو سبحانه فعل هذا الذي لا يدع لبسًا في تمام علمه وقدرته وكمال حكمته ووحدانيته والحال أن الذي فعل ذلك لأجلهم قد جعلوا وعبر بالاسم الأعظم وقدمه استعظامًا لأن يعدل به شيئًا {لله} أي الذي له جميع الأمر.
ولما كان الشرك في غاية الفظاعة والشناعة، قدمه فقال: {شركاء} يعني وما كان ينبغي أن يكون له شريك مطلقًا، لأن الصفة إذا ذكرت مجردة غير مجراة على شيء كان ما يتعلق بها من النفي عامًا في كل ما يجوز أن يكون له الصفة، وحكم الإنكار حكم النفي.
ولما اهتز السامع من هذا التقديم لزيادة المعنى من غير زيادة اللفظ، تشوف إلى معرفة النوع الذي كان منه الشركاء فبينهم بقوله: {الجن} أي الذين هم أجرأ الموجودات عليهم وأعداهم لهم، فأطاعوهم كما يطاع الإله فكان عبادة لهم وتشريكًا، وقد رأيت ما للبيان بعد الانتهاء مما يحسن للناظرين {وخلقهم} أي والحال أنهم قد علموا أن الله خلقهم أي قدرهم بعلم وتدبير، فلذلك كان خلقه لهم محكمًا {وخرقوا} أي العابدون {له بنين} أي كعزير والمسيح {وبنات} أي من الملائكة، فجمعوا لذلك جهالات هي غاية في الضلالات: وصف الملائكة بالأنوثة والاجتراء على مقام الربوبية بالحاجة، تخصيصه بعد ذلك بما لا يرضونه لأنفسهم بوجه؛ ومادة خرق تدور على النفوذ والاتساع والإطلاق والتقدير بغير علم ولا معرفة ليحدث عنه الفساد، ولذلك قيل لمن لا يحسن العمل: خرق؛ وللمرأة: خرقاء، يعني أنهم كذبوا واختلفوا واتسعوا في هذا القول الكذب، وأبعدوا به في هذه المجاوزة عن حقيقته، اتساع من سار في خرق أي برية واسعة بهماء وسوفة جوفاء متباعدة الأرجاء إلى حيث لم يسبقه إليه بشر، فضل عن الجادة ضلالًا لا ترجى معه هدايته إلا على بعد شديد، فصار جديرًا بالهلاك، وإلى ذلك يرجع معنى ما قرئ في الشاذ: وحرفوا- بالمهملة والفاء.
ولما لم يكن لقولهم أصلًا حقيقة ولا شبهة، وكان الخرق التقدير بغير علم، دل على ذلك مصرحًا بما أفهمه محققًا له تنبيهًا على الدليل القطعي في اجتياح قولهم من أصله، وذلك أنه قول لا حجة له، ومسائل أصول الدين لا يصار إلى شيء منها إلا بقاطع، وذلك بنكرة في سياق النفي فقال: {بغير علم} ثم نزه نفسه المقدسة تنبيهًا على ما يجب قوله على كل من سمع ذلك، فقال: {سبحانه} أي أسبحه سبحانًا يليق بجلاله أن يضاف إليه؛ ولما كان معنى التسبيح الإبعاد عن النقص، وكان المقام يقتضي كونه في العلو، صرح به فقال: {وتعالى} أي تباعد أمر علوه إلى حد لا حد له ولا انتهاء {عما يصفون}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر هذه البراهين الخمسة من دلائل العالم الأسفل والعالم الأعلى على ثبوت الإلهية، وكمال القدرة والرحمة.
ذكر بعد ذلك أن من الناس من أثبت لله شركاء، واعلم أن هذه المسألة قد تقدم ذكرها إلا أن المذكور هاهنا غير ما تقدم ذكره وذلك لأن الذين أثبتوا الشريك لله فرق وطوائف.
فالطائفة الأولى: عبدة الأصنام فهم يقولون الأصنام شركاء لله في العبودية، ولكنهم معترفون بأن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخلق والإيجاد والتكوين.
والطائفة الثانية: من المشركين الذين يقولون، مدبر هذا العالم هو الكواكب، وهؤلاء فريقان منهم من يقول: إنها واجبة الوجود لذاتها، ومنهم من يقول: إنها ممكنة الوجود لذواتها محدثة، وخالقها هو الله تعالى، إلا أنه سبحانه فوض تدبير هذا العالم الأسفل إليها وهؤلاء هم الذين حكى الله عنهم أن الخليل صلى الله عليه وسلم ناظرهم بقوله: {لا أُحِبُّ الآفلين} وشرح هذا الدليل قد مضى.
والطائفة الثالثة: من المشركين الذين قالوا لجملة هذا العالم بما فيه من السموات والأرضين إلهان: أحدهما فاعل الخير.
والثاني فاعل الشر، والمقصود من هذه الآية حكاية مذهب هؤلاء فهذا تقرير نظم الآية والتنبيه على ما فيها من الفوائد.
فروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن} نزلت في الزنادقة الذين قالوا إن الله وإبليس أخوان فالله تعالى خالق الناس والدواب والأنعام والخيرات، وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور.
واعلم أن هذا القول الذي ذكره ابن عباس أحسن الوجوه المذكورة في هذه الآية وذلك لأن بهذا الوجه يحصل لهذه الآية مزيد فائدة مغايرة لما سبق ذكره في الآيات المتقدمة، قال ابن عباس: والذي يقوي هذا الوجه قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} [الصافات: 158] وإنما وصف بكونه من الجن لأن لفظ الجن مشتق من الاستتار، والملائكة والروحانيون لا يرون بالعيون فصارت كأنها مستترة من العيون، فبهذا التأويل أطلق لفظ الجن عليها، وأقول: هذا مذهب المجوس، وإنما قال ابن عباس هذا قول الزنادقة، لأن المجوس يلقبون بالزنادقة، لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزل عليه من عند الله مسمى بالزند والمنسوب إليه يسمى زندي.
ثم عرب فقيل زنديق.
ثم جمع فقيل زنادقة.
واعلم أن المجوس قالوا: كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان وجميع ما فيه من الشرور فهو من أهرمن، وهو المسمى بإبليس في شرعنا، ثم اختلفوا فالأكثرون منهم على أن أهرمن محدث، ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة، والأقلون منهم قالوا: إنه قديم أزلي، وعلى القولين فقد اتفقوا على أنه شريك لله في تدبير هذا العالم فخيرات هذا العالم من الله تعالى وشروره من إبليس فهذا شرح ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
فإن قيل: فعلى هذا التقدير: القوم أثبتوا لله شريكًا واحدًا وهو إبليس، فكيف حكى الله عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء؟
والجواب: أنهم يقولون عسكر الله هم الملائكة، وعسكر إبليس هم الشياطين والملائكة فيهم كثرة عظيمة، وهم أرواح طاهرة مقدسة وهم يلهمون تلك الأرواح البشرية بالخيرات والطاعات.